كيف يصبح الألم أملاً؟ (قصص رائعة.. لا تياس أيها المريض وأيها العقيم).. عبد الله المغلوث
الانتصار لا يعانق من ينتحب، بل من يتكبد وعثاء السفر في سبيله. إنّ حياتنا كالماراثون الطويل. لا تخلو من آلام ومنغصات وعراقيل. لكن لا يفوز سوى من يبذل المشقة ولا يقنط ولا ينسحب حتى يصل إلى خط النهاية.
حملت زوجة صديقي بعد 14 عاماً من الانتظار الممض. سعادتهما كانت غامرة. سعادة أكبر من أن توصف أو تكتب. حملت بعد عمليات ومحاولات ودعوات هائلة. لكن تحقق الحلم ونسأل الله أن يتمم عليهما.
لم تكن فرحتهما وحدهما فحسب بل فرحة كل من حولهما: والديهما، والأطباء، والممرضات، والأصدقاء. كان يهاتفني صديقي قبل أن يتلقى هذا النبأ السعيد بأسبوعين والحزن يغمر صوته. فلم يعد قادراً على الانتظار أكثر. صار عندما يشاهد الأطفال يهرب منهم إلى أقرب غرفة. يغلقها جيداً. ويبكي حتى يجف دمعه. أصبح يتقشف في أداء الواجبات الاجتماعية خشية أن يرتطم بطفل يذكره بمعاناته.
لكن إرادة الله كانت فوق كل شيء. أعادت إليه الأمل والسعادة بعد عمل دؤوب ومبادرات جمة. فالمُحبَط تحول بين عشية وضحاها إلى شخص مقبل على الحياة مفعم بالأمل والبهجة.
يقول الشاعر أبو الفتح البستي:
ما بين غمضة عين وانتباهتها
يغير الله من حال إلى حــــــــالِ
إذن، اليأس لا يجب أن يقطن صدرونا. فالله بوسعه أن يحيل الألم إلى أمل في لحظات متى ما قاتلنا وحاربنا ولم نقنط من رحمته.
أم أحد زملائي ابتلاها الله بسرطان الثدي قبل نحو 19 عاماً. دفنها أقاربها ومحيطها مبكراً بدموعهم فور أن تنامى إلى علمهم نبأ إصابتها بالمرض الخبيث.
لكنها استقبلت النبأ برباطة جأش وإيمان واحتساب. راجعت العديد من المستشفيات. وأجرت الكثير من العمليات. واليوم أم زميلي ترفل في ثياب الصحة والعافية.
تخيلوا أين ستكون الآن لو جرفتها الدموع التي اجتاحتها قبل نحو عقدين؟
الانتصار لا يعانق من ينتحب، بل من يتكبد وعثاء السفر في سبيله. إنّ حياتنا كالماراثون الطويل. لا تخلو من آلام ومنغصات وعراقيل. لكن لا يفوز سوى من يبذل المشقة ولا يقنط ولا ينسحب حتى يصل إلى خط النهاية.
من الطبيعي أن نحزن وأن نتضايق. لكن لا يجب أن نسمح لليأس أن يتمكن منا ويكتفنا ويحرمنا الفوز الذي نستحقه حتى لو جاء متأخراً. يقول أرسطو: "من أيِسَ من الشيء استغنى عنه".
ثمة مذاق خاص للأشياء التي تأتي متأخرة. تأملوا الآباء الذين حصلوا على أطفالهم بعد طول انتظار. والمرضى الذين تعافوا بعد ألم مضن. والمبدعين الذين نالوا النجاح بعد جهد جهيد. ستجدونهم أكثر امتنانا وتقديرا وسعادة.
والت ديزني، الاسم المعروف، مر بلحظات عصيبة كادت أن تعصف بموهبته. فمنذ نعومة أظفاره كان يعشق الرسم. هذا الحب جعله يغادر الثانوية مبكراً ليحترف الفن. لكن فشل مراراً في الوصول إلى هدفه. لم يعد يملك ما يقيم الأود ويسد الرمق.
عمل سائقاً لسيارة إسعاف بعد أن طرد من الجيش بسبب صغر سنه. لكنه لم يستمر سائقاً سعياً وراء تحقيق أمله. عمل في شركات إعلانية بمساعدة شقيقه روي الذي كان يعمل موظفاً في أحد البنوك. لكن سرعان ما تركها بسبب تهكم زملائه على رسوماته وأفكاره.
افتتح شركة فنية مع زميله بيد أنها انهارت سريعاً. تعرض لإحباط شديد كاد يودي بموهبته. لكنه نال فرصة ذهبية عندما نشرت أعماله الكارتونية إحدى الصحف بعد مفاوضات طويلة.
ذاع صيته تدريجياً وكوّن شخصية مختلفة أتاحت له الانطلاق في الإبداع.
صبر ديزني جعله يصل إلى أحلامه التي كادت أن تلقى مصرعها لولا مثابرته وإصراره.
ديزني الذي تدر شركاته اليوم أرباحاً سنوية تقدر بـ 30 مليار دولار أمريكي لم يصل إلى هذا النجاح لو اعتقد لوهلة أن مهمته مستحيلة.
يقول طاغور: "المستحيل لا يقيم إلا في أحلام العاجز".
فلنقتلع المستحيل من قاموسنا ونعزز الأمل في نفوسنا ليحل محل الألم الذي يقض مضاجعنا. إنهُ لا فرق بين الألم والأمل سوى أن اللام تقدمت في الأولى وتأخرت في الثانية. فلندفعها بكل ما أوتينا من قوة مهما أنفقنا من معاناة لتعود إلى مكانها في الخلف وليس الصدارة. فهل نحن فاعلون؟
* * * *
كتاب "كخة يا بابا".. للكاتب السعودي عبد الله المغلوث.. كتاب يستحق القراءة.
* * * *
إني برغم الآسى لستُ بيـائسٍ
فالفجرُ من رحمِ الظلام سيولدُ
د. عبد الرحمن العشماوي
* * * *