ي حكم المتاجرة بالملابس القديمة "الشيفون"
السؤال: ما حكم المتاجرة في الملابس القديمة أي: ما يعرف في بلادنا بـ: "الشيفون" علما بأنّ هذه الملابس تدخل بلادنا مهرَّبةً من الحدود؟ وهل يجوز اقتناؤها ولُبسها؟ وقد تكون هذه الملابس ملطخة بنجاسات ولكن أصحابها لا يخبرون المشتري عنها كما قد يصاب المشتري لها بأمراض جلدية كـ"الجرب"، فضلا عن أنّها تباع في أكياس مغلقة لا يطلع المشتري على ما تحتويه إلاّ بعد فتحها، فهل يعتبر هذا البيع حلالا؟
الجواب:الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فالأكياس المتضمنة للملابس القديمة الموجهة إلى البلدان الإفريقية الفقيرة إن كانت ممَّا يتمُّ السطو عليها في بعض الموانئ، ثمّ يتم إدخالها بواسطة شبكة التهريب، فهذه لا يجوز التعامل فيها تجاريا لما فيها من أكل أموال الناس بالباطل، أمَّا إذا تحقق أنَّها غير مسروقة بل مشتراة من مالكيها فإنّه ينظر إلى محتواها، فإن كانت الملابس ممَّا يروج بها الرذيلة كالضيقة والحازقة والمكشوفة والشفافة وغيرها ممّا هو معروف من موضات ألبسة الكفار فلا يجوز التعامل فيها أيضا لما في انتشارها من إشاعة الفاحشة وإفساد المجتمع المسلم قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19].
أمَّا إذا خلت من ذلك فإنه يجوز التجارة فيها لأنَّ الأصل في التجارات وسائر أنواع المكاسب الحل والجواز، ولو بيعت مغلقة لكن بشرط أن يكون للمشتري خيار الرؤية، فإن رأى بداخلها عيبًا أو تدليسًا أو غشًّا جاز له أن يردها على البائع لهذه العلل المذكورة والشأن في ذلك كمبيعات اللوز والجوز والبيض، وغيرها ممّا تباع بقشرتها، ويردها المشتري إن رأى فيها عيبًا أو فسادًا، أو احتوت على أمراض أو تسمم ونحو ذلك من العيوب التي تجعل العقد موقوفا بطلانه على إرادة المشتري .
غير أنَّه لما كانت الشبه قائمة فيها، والردُّ بالعيب أو بالرؤية ونحو ذلك من الخيارات يكاد يكون مستحيلا في أسواقنا، وكثر التهريب والسطو والسرقات، وضعف الوازع الديني وغابت السلطة الشرعية، فالواجب أن يدع ما يشكُّ فيه إلى ما لا يشك فيه عملاً بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقََدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ"(١)، وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ"(٢).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 29 ربيع الثاني 1427ﻫ
المــوافق ﻟ: 27 مــايو 2006م
١- أخرجه البخاري في «الإيمان» باب فضل من استبرأ لدينه (50)، ومسلم في «المساقاة» (4094)، وأبو داود في «البيوع» باب في اجتناب الشبهات (3330)، والترمذي في «البيوع» باب: ما جاء في ترك الشبهات (1205)، وابن ماجه في «الفتن» باب الوقوف عند الشبهات (3984)، والدارمي (2436)، وأحمد (17907)، والبيهقي (10537)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
٢- أخرجه النسائي كتاب الأشربة باب الحث على ترك الشبهات (5711)، والترمذي كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب (60)رقم(2518)، والحاكم (4/99)، والطيالسي (1178)، وأحمد (1/200)، وأبو نعيم في الحلية (8/264)، من حديث الحسن بن علي رضي الله عنها،وصححه الشيخ الألباني في الإرواء (1/44) رقم (12)، وفي صحيح الجامع (3373).