تقرر القوانين التي ينبغي للإنسان أن يسير عليها في سلوكه،
و تبحث في أعمال الناس لتحكم عليها بالخير أو بالشر،
و ترسل أشعتها إلى كبد الغايات التي نقصدها ،فتنير السبيل لعمل ما ينبغي عمله.
قد يكون من الغبن أن نقصر عملها على معرفة النظريات و القواعد ،إذ أن رسالتها تتعدى هذا النطاق الضيق إلى هَدْيِ إرادتنا و حملنا على تحقيق المثل العليا للحياة.
الأخلاق هي الأساس الذي يشيد عليه تاريخ أمة،
و الدعامة الحقيقية التي تقوم عليها أمجاد وطن.
هي الخير الأسمى ،
و التحقيق لأعلى درجة من درجات التفوق و الجمال،
فالعقل يجول جولته البعيدة في دنياها،
قبل أن يطلع على الدنيا بالنور،و الفكر ،
يحلِّق تحليقه العنيد في آفاقها ،
قبل أن يبشر الناس بالوعي و الاهتداء.
الأخلاق هي ارتفاع الإنسان ،
هي سُـمُــوُّه بنفسه.
و الفضائل التي تقوم عليها الأخلاق عديدة،
تلك الفضائل التي تختلف باختلاف المكان و الزمان.
و أقوى ما يدفع الإنسان إلى الفضيلة و الخير
هو الحب،
لأنه أساس الفضائل،
فالحرية الحقة هي سيطرة العقل لا سيطرة العواطف الجامحة و الأهواء العمياء،
أَيْ ...
أن نحكم أنفسنا قبل أن نحكم الناس،
فحكم الإنسان لنفسه هو أرفع مزايا الحرية.
و الارتقاء له شرطان:
العدالة،
و الحب.
فمن الجميل أن نقول أن صلة العواطف و المحبة يجب أن تتعدى أبناء الوطن الواحد،
فالعالَم كله أمةٌ واحدة،
مادام بنو الإنسان ينتمون إلى أصلٍ واحد،
و يسيرون إلى غايةٍ واحدة،
و هكذا نرقى بالإنسان ،
بالنفس،
فوق تُــرَّهات الحياة.
وأحكام الشريعة إن فُهمتْ على وجهها الحق الصحيح لكانت مذهباً للأخلاق أساسه المحبة،
محبة الإنسان لأخيه الإنسان.
فمن الثابت أن الدين رياضةٌ خُـلُـقـيّـة هدفه غرس الفضائل في النفوس المؤمنة،
فهي تعلمهم المحبة في أوسع صورها،و أشدها شمولاً.
يستحيل أحياناً الإحاطة بكل ما تدعونا إليه الأخلاق،
لكنها تعني أن على الإنسان أن يتلفت دائما نحو القمة.
على الإنسان أن يكون إنسانا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من تسامٍ و ارتفاع،
فهو لا ينحط عن مرتبة آدميته إلا إذا صدرتْ عنه أفعاله غير كاملة.
ليس جميلا أن يقْصُر الإنسان عمل الخير على أصدقائه،
أو ليصل إلى شيءٍ من وراء الخير الذي يعمله.
ليس جميلاً أيضاً من يجعل الصداقة امتداداً لحب الإنسان لذاته فقط.
ليس جميلا منْ يريد الأذى لغيره،
ففي ذلك دليل على عدم استقلاله بنفسه.
ليس جميلاً منْ يرشده ضميره إلى الحق،
ثم تتغلب عليه شهواته ،
فترده عن إجابة وحي الضمير.
ليس جميلاً منْ يريد السيطرة على المجموع،
لأن السيادة الحقة تريد أن يكون المجموع سيد نفسه.
فالصالحون ما أرادوا يوما أن يستعمروا الناس ،
بل أرادوا دوما أن يفتحوا عقولهم
على الحرية
و النور
و المحبة.
أجل...
إن حق الحياة و الحرية مُــلْك كل رجل ،
مهما يكن لونه أو صبغته.
فالفلاح الذي يعصر جبينه في جبين الصخر،
فيخْـضَـرُّ تحت يديه الحديديَّـتَـيْن،
يسكبُ ضلوعَه في التراب،
فـتُـزْهِـرُ الأرضُ أمام عينيه،
هذا الفلاح هو أحق بأكاليل المجد و الغار من الفاتحين و العظماء.
للإنسان طبيعة،
و طبيعته هي نفسه العاقلة الناطقة،
و ليس بغير فضائل تلك النفس يمكن أن يكون مخلوق أفضل من مخلوقٍ أو أكثر إنسانية منه.
فلنحافظ على إنسانيتنا،
إذا شئنا أن نحمل الأخلاق تاجاً في الرءوس،
و خَــفْــقَــةً في القلوب،
و لَــحْــنـًا في الشفاه.
.
محمد ابو عيده
عدد المساهمات: 136
تاريخ التسجيل: 06/01/2010
العمر: 14