إقامة الشهادة
عناصر الموضوع
1- معنى إقامة الشهادة.
2- إقامة الشهادة علامة على الجرأة ودليل القوة في الدين.
3- شهادة الحق مطلوبة في كل المعاملات والعبادات والعلاقات .
4- إقامة الشهادة طاعة لأوامر الله وهي من ثمار اليقين .
5- كتم الشهادة أو شهادة الزور إثم كبير وشر مستطير .
6- البلاغة العالية في آية المداينة وكلام أهل العلم في تفسير قوله تعالى: ( ذلك أقسط عند الله وأقوم للشهادة...) .
7- من صفات المؤمنين إقامة الشهادة والقيام بها ( والذين هم بشهادتهم قائمون) .
8- لزوم الإخلاص لله في الشهادة فكما فيها حق للعبد ففيها أيضاً حق لله سبحانه (وأقيموا الشهادة لله) .
9- الشهادة بالقسط ولو على النفس من علامة الإخلاص والتجرد لله وعدم اتباع الهوى .
التعريف
أ- الإقامة لغة:
الإقامة مأخوذة من أقام الشّيء أدامه، والشّرع أظهره، والصّلاة أدام فعلها.
ب- والشهادة لغة:
من شهد المجلس يشهده شهودا، حضره واطّلع عليه، وعاينه فهو شاهد، جمعه شهود وشهّد وأشهاد، وشهد عند الحاكم لفلان على فلان بكذا يشهد، أدّى ما عنده من الشّهادة. وشهد على كذا: أخبره به خبرا قاطعا.
قال ابن فارس: الشّهادة الإخبار بما قد شوهد.
الشهادة اصطلاحا:
الشّهادة: بيان الحقّ، سواء كان عليه أو على غيره، وهي خبر قاطع يختصّ بمعنى يتضمّن ضرر غير المخبر فيخرج الإقرار. وقيل: إقرار مع العلم وثبات اليقين. والإقرار قد ينفكّ عن ذلك. ولذلك أكذب اللّه الكفّار في قولهم: (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) [المنافقون: 1] ولمّا كان الخبر الخاصّ مبيّنا للحقّ من الباطل سمّي شهادة. وسمّي المخبر به شاهدا، فلهذا شبّهت الدّلالة في كمال وضوحها بالشّهادة. وشهد الرّجل على كذا يشهد عليه شهادة: إذا أخبر به قطعا وشهد له بكذا يشهد به شهادة: إذا أدّى ما عنده من الشّهادة. والشّهادة تقام بلفظ الشّهادة. أعني: أشهد باللّه، وتكون قسما ومنهم من يقول: إن قال (أشهد) يكون قسما (وإن لم يقل باللّه) [الكليات للكفوي (527- 528) ] .
وقال الرّاغب: الشّهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر[المفردات للراغب (268) ].
وقال المناويّ: الشّهادة إخبار عن عيان بلفظ أشهد في مجلس القاضي بحقّ لغيره على غيره [التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (209) ].
إقامة الشّهادة: هي الإخبار بحقّ للغير على آخر عن يقين في مجلس الحكم.
قال الجرجانيّ: هي إخبار عن عيان بلفظ الشّهادة في مجلس القاضي بحقّ للغير على آخر، فالإخبارات ثلاثة: إمّا بحقّ للغير على آخر، وهو الشّهادة، أو بحقّ للمخبر على آخر، وهو الدّعوى، أو بالعكس وهو الإقرار [التعريفات للجرجاني (129)، لسان العرب (3/ 238- 241)، (12/ 503)، المصباح المنير (1/ 348)، (2/ 180) ] .
آيات
1- قول الله تعالى:(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) [البقرة: 143] .
2- قوله تعالى: ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء: 41] .
3- قوله تعالى: (وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج: 78] .
4- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [ البقرة: 282- 283] .
5- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء: 135] .
6- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8] .
7 - قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) [المائدة: 106- 108] .
8- قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ *وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ * أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) [المعارج: 19- 35] .
9 - قوله تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [ يس: 65] .
10- قوله تعالى: (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) [فصلت: 20- 22] .
أحاديث
1- عن أبي الأسود قال: أتيت المدينة وقد وقع بها مرض، وهم يموتون موتا ذريعا، فجلست إلى عمر- رضي اللّه عنه- فمرّت جنازة فأثني خيرا، فقال عمر: وجبت. ثمّ مرّ بأخرى فأثني خيرا، فقال عمر وجبت. ثمّ مرّ بالثّالثة فأثني شرّا، فقال: وجبت. فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " أيّما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله اللّه الجنّة". قلنا:وثلاثة قال: "وثلاثة". قلنا: واثنان؟ قال: "واثنان".ثمّ لم نسأله عن الواحد. [رواه البخاري- الفتح 5 (2643) ] .
2- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّ أعمى كانت له أمّ ولد تشتم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر. قال: فلمّا كانت ذات ليلة جعلت تقع في النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وتشتمه فأخذ المغول فوضعه في بطنها، واتّكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطّخت ما هناك بالدّم. فلمّا أصبح ذكر ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجمع النّاس فقال:" أنشد اللّه رجلا فعل ما فعل، لي عليه حقّ، إلّا قام" فقام الأعمى يتخطّى النّاس، وهو يتزلزل حتّى قعد بين يدي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه! أنا صاحبها كانت تشتمك، وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرهم فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللّؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلمّا كانت البارحة، جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتّكأت عليها حتّى قتلتها، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " ألا اشهدوا أنّ دمها هدر" [رواه أبو داود (4361) وقال الألباني (3/ 824): صحيح ] .
3- عن النّعمان بن بشير- رضي اللّه عنهما- أنّ أمّه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها، فالتوى بها سنة ، ثمّ بدا له فقالت: لا أرضى حتّى تشهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي. وأنا يومئذ غلام. فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه! إنّ أمّ هذا، بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الّذي وهبت لابنها. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " يا بشير! ألك ولد سوى هذا؟" قال: نعم.فقال: "أكلّهم وهبت له مثل هذا؟" قال: لا، فقال: "فلا تشهدني إذا. فإنّي لا أشهد على جور " [رواه مسلم برقم (1623) ] .
4- عن أبي وائل قال: قال عبد اللّه- رضي اللّه عنه-: من حلف على يمين يستحقّ بها مالا وهو فيها فاجر لقي اللّه وهو عليه غضبان، ثمّ أنزل اللّه تصديق ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا- فقرأ إلى- عَذابٌ أَلِيمٌ)[آل عمران:77]. ثمّ إنّ الأشعث بن قيس خرج إلينا فقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ قال: فحدّثناه، قال: فقال: صدق، لفيّ نزلت، كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "شاهداك أو يمينه"، قلت: إنّه إذن يحلف ولا يبالي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " من حلف على يمين يستحقّ بها مالا وهو فيها فاجر لقي اللّه وهو عليه غضبان"، ثمّ أنزل اللّه تصديق ذلك، ثمّ اقترأ هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا إلى وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [رواه البخاري- الفتح 5 (2515، 2516) ومسلم برقم (138) ] .
5- عن أبي سعيد- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يدعى نوح وأمّته، فيقول اللّه تعالى: هل بلّغت؟ فيقول: نعم أي ربّ. فيقول لأمّته هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيّ، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته، فنشهد أنّه قد بلّغ وهو قوله جلّ ذكره (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة: 143]. والوسط العدل "[رواه البخاري- الفتح 6 (3339) ] .
آثار
1- عن سفيان قال: سمعت عمرا قال:كنت جالسا مع جابر بن زيد وعمرو بن أوس فحدّثهما بجالة سنة سبعين- عام حجّ مصعب بن الزّبير بأهل البصرة- عند درج زمزم قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية عمّ الأحنف، فأتانا كتاب عمر ابن الخطّاب قبل موته بسنة: فرّقوا بين كلّ ذي محرم من المجوس. ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس.حتّى شهد عبد الرّحمن بن عوف أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر.[رواه البخاري- الفتح 6 (3156، 3157) ] .
2- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنهما- أنّ هذه الآية الّتي في القرآن (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) [الأحزاب: 45] قال في التّوراة: (يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب بالأسواق ، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه اللّه حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا اللّه، فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا) [رواه البخاري- الفتح 8 (4838) ] .
قصص
1- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلّفه ألف دينار فقال: ائتنى بالشّهداء أشهدهم، فقال: كفى باللّه شهيدا. قال: فائتني بالكفيل، قال: كفى باللّه كفيلا. قال: صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمّى فخرج في البحر فقضى حاجته، ثمّ التمس مركبا* يركبها يقدم عليه للأجل الّذي أجّله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثمّ زجّج موضعها، ثمّ أتى بها إلى البحر فقال: اللّهمّ إنّك تعلم أنّي كنت تسلّفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت: كفى باللّه كفيلا، فرضي بك، وسألني شهيدا فقلت: كفى باللّه شهيدا فرضي بذلك. وإنّي جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الّذي له فلم أقدر، وإنّي أستودعكها. فرمى بها في البحر حتّى ولجت فيه، ثمّ انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة الّتي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلمّا نشرها وجد المال والصّحيفة، ثمّ قدم الّذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: واللّه ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الّذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إليّ بشيء؟ قال: أخبرك أنّي لم أجد مركبا قبل الّذي جئت فيه. قال: فإنّ اللّه قد أدّى عنك الّذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدّينار راشدا"[رواه البخاري- الفتح 4 (2291)].
2- عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصّامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار، قبل أن يهلكوا. فكان أوّل من لقينا أبا اليسر ، صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. ومعه غلام له معه ضمامة من صحف وعلى أبي اليسر بردة ومعافريّ ، وعلى غلامه بردة ومعافريّ، فقال له أبي: يا عمّ، إنّي أرى في وجهك سفعة من غضب.قال: أجل. كان لي على فلان ابن فلان الحراميّ مال.فأتيت أهله فسلّمت. فقلت: ثمّ هو؟ قالوا:لا. فخرج عليّ ابن له جفر، فقلت له: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمّي. فقلت: اخرج إليّ. فقد علمت أين أنت، فخرج. فقلت: ما حملك على أن اختبأت منّي؟ قال: أنا، واللّه أحدّثك.ثمّ لا أكذبك، خشيت، واللّه أن أحدّثك فأكذبك. وأن أعدك فأخلفك. وكنت صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وكنت واللّه معسرا. قال: قلت: آللّه! قال: آللّه!. قلت: آللّه! قال: آللّه. قلت: آللّه! قال: آللّه. قال فأتى بصحيفته فمحاها بيده. فقال: إن وجدت قضاء فاقضني، وإلّا أنت في حلّ. فأشهد، بصر عينيّ هاتين (ووضع إصبعيه على عينيه)، وسمع أذنيّ هاتين ، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقول: " من أنظر معسرا، أو وضع عنه، أظلّه اللّه في ظلّه" [رواه مسلم (3006) ].
متفرقات
1- قال الشيخ أبو بكر الجزائري رحمه الله: إقامة الشهادة بالاعتدال فيها بحيث يؤديها ولا يكتمها ويؤديها قائمة لا اعوجاج فيها لقوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) [أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المؤلف : جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري الناشر : مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة : الخامسة، 1424هـ/2003م (5/435) ] .
2- يقول ابن جرير في تفسيره في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء:135]: قوموا بالقسط لله عند شهادتكم، أو حين شهادتكم (وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ) يقول: ولو كانت شهادتكم على أنفسكم، أو على والديكم أو أقربيكم، فقوموا فيها بالقسط والعدل، وأقيموها على صحتها بأن تقولوا فيها الحق، ولا تميلوا فيها لغني لغناه على فقير، ولا لفقير لفقره على غني فتجوروا، فإن الله سوّى بين حكم الغني والفقير فيما ألزمكم أيها الناس من إقامة الشهادة لكل واحد منهما بالعدل أولى بهما، وأحقّ منكم، لأنه مالكهما، وأولى بهما دونكم، فهو أعلم بما فيه مصلحة كل واحد منهما في ذلك وفي غيره من الأمور كلها منكم، فلذلك أمركم بالتسوية بينهما في الشهادة لهما وعليها (فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ) يقول: فلا تتبعوا أهواء أنفسكم في الميل في شهادتكم إذا قمتم بها، لغني على فقير، أو لفقير على غني إلى أحد الفريقين فتقولوا غير الحق، ولكم قوموا فيه بالقسط، وأدّوا الشهادة على ما أمركم الله بأدائها بالعدل لمن شهدتم عليه وله.
3- قال ابن كثير في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء:135]: يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط، أي: بالعدل، فلا يعدلوا عنه يميناً ولا شمالاً، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه... (وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ) أي: أشهد الحق ولو عاد ضررها عليك، وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه، وإن كان مضرة عليك، فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجاً ومخرجاً من كل أمر يضيق عليه. وقوله: (أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) أي: وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك، فلا تراعهم فيها، بل أشهد بالحق، وإن عاد ضررها عليهم، فإن الحق حاكم على كل أحد، وهو مقدم على كل أحد.
4- قال ابن سعدي في نفس الآية السابقة: يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا (قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ). والقوام صيغة مبالغة، أي: كونوا في كل أحوالكم، قائمين بالقسط في حقوق الله، أن لا يستعان بنعمه على معصيته، بل تصرف في طاعته. والقسط في حقوق الآدميين، أن تؤدى جميع الحقوق التي عليك، كما تطلب حقوقك. فتؤدى النفقات الواجبة، والديون، وتعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، من الأخلاق والمكافأة، وغير ذلك. ومن أعظم أنواع القسط، القسط في المقالات والقائلين. فلا يحكم لأحد القولين، أو أحد المتنازعين، لانتسابه أو ميله لأحدهما.
5- قال مصطفى العدوي في تفسير قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) [الطلاق:2]: أي أنتم يا شهود عليكم إقامة الشهادة لا لعرض من أعراض الدنيا ولا لثناء، ولكن الشهادة تقام لله، ولذلك يقول العلماء في الشهادة على وجه الخصوص: كما أن فيها حقاً للعبد ففيها حق لله سبحانه. وشأن الشهادات بصفة عامة يقول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ( [النساء:135] أي: شهادتكم لله (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا( [النساء:135] فلا تشهد لفقير لكونه فقيراً فتقول: هذا ضعيف أشهد له. ولا تشهد لغني لكونه غنياً سوف يعطيك، بل الشهادة تقام على وجهها لله، ولا تراعى فيها العواطف، يقول الله: (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا) [النساء:135] فالله أرحم بهما منكم؛ ليس عليك إلا أن تقيم الشهادة.
6- قال الشافعي رضي الله عنه: وإن كانت عليه شهادة فعليه أن يجيب ، فإن فعل خرج من اعتكافه . قال الماوردي : وهذه المسألة ونظائرها مصورة في اعتكاف وجب متتابعا ، فإذا اعتكف الشاهد ، ثم دعي لإقامة الشهادة فله حالان : أحدهما : أن لا يتعين عليه إقامتها لوجود غيره من الشهود فهذا ممنوع من الخروج ، فإن خرج بطل اعتكافه ولزمه استئنافه . والحالة الثانية : أن يتعين عليه إقامة الشهادة لعدم غيره من الشهود ، فهذا مأمور بالخروج ، لإقامتها لقوله تعالى : (وأقيموا الشهادة لله) [ الطلاق] فإذا خرج لم يخل حاله من أحد أمرين ، إما أن يكون قد تحمل الشهادة مضطرا ، أو مختارا ، فإن تحملها مختارا بطل اعتكافه بخروجه ؛ لأن في اختياره للتحمل اختيارا للخروج وقت الأداء وإن تحملها مضطرا لعدم غيره لم يبطل اعتكافه بخروجه فإذا أعاد بنى عليه ؛ لأنه خرج لأمر تعين عليه في الطرفين ، بلا اختيار منه ، فصار كالخارج للغائط والبول ، وقال أصحابنا البصريون فيها وجهان: أحدهما : اعتكافه جائز لما ذكرنا . والثاني : باطل ؛ لأنه وإن تعين عليه الأداء ، فليس يتعين عليه الخروج ؛ لأن القاضي قد يجيء إليه ويسمع شهادته [الحاوي في فقه الشافعي – الماوردي المؤلف : الماوردي الناشر : دار الكتب العلمية الطبعة : الأولى 1414هـ - 1994 (3/497) ] .
7- يقول العز بن عبد السلام: .....وأما الشهود على هذه الجرائم ، فإن تعلق بها حقوق العباد لزمهم أن يشهدوا بها وأن يعرفوا بها أربابها وإن كانت زواجرها حقا محضا لله فإن كانت المصلحة في إقامة الشهادة بها ، فيشهدوا بها مثل أن يطلعوا من إنسان على تكرر الزنى والسرقة والإدمان على شرب الخمور وإتيان الذكور فالأولى أن يشهدوا عليه دفعا لهذه المفاسد ، وإن كانت المصلحة في الستر عليه مثل زلة من هذه الزلات تقع ندرة من ذوي الهيئات ثم يقلع عنها ويتوب منها فالأولى أن لا يشهدوا لقوله صلى الله عليه وسلم لهزال : يا هزال لو سترته بردائك كان خيرا لك [حديث : " يا هزال لو سترته بردائك كان خير لك " . أخرجه مالك في الموطأ ( 2 / 281 - ط الحلبي ) مرسلا ، ووصله أبو داود ( 4 / 541 - تحقيق عزت عبيد دعاس ) من حديث هزال ، وفيه مقال وله طريق آخر عند أبي داود كذلك يتقوى به ]. وحديث : وأقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم [حديث : أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم . أخرجه أبو داود ( 4 / 540 - تحقيق عزت عبيد دعاس ) من حديث عائشة وحسنه المناوي في الفيض ( 2 / 74 - ط المكتبة التجارية ) ] . وحديث : من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة [حديث : من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة " . أخرجه مسلم ( 4 / 2074 - ط الحلبي ) من حديث أبي هريرة ]. [انظر قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1 / 186 - 190 ] .