احتساب
عناصر الموضوع
1- معنى الاحتساب.
2- عظم وفضل المحتسب عند الله تعالى في التصدي لأهل البدع وأعداء الدين.
3- من آثار الاحتساب.
4- احتساب الأجر والثواب لا يتنافى مع الصبر والتداوي.
5- احتساب أجر مشقة الدعوة إلي الله والتعليم، فلا يطلب على دعوته أجراً ولا مغنماً غير الجنة.
6- نماذج من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في الاحتساب.
7- صور ونماذج من احتساب الأنبياء عليهم السلام .
8- صور من احتساب العلماء الربانيين كشيخ الإسلام ابن تيمية والعز بن عبد السلام.
9- صور من احتساب الأجر والثواب في أعمال يغفل عنها الناس:
أ- احتساب الأجر والثواب في النفقة على الأهل والأولاد.
ب- احتساب الأجر في تربية الأولاد.
ج- احتساب الأجر والثواب في الحمل والرضاع.
د- احتساب إنجاب الذرية الصالحة التي توحد الله تعالى.
هـ- احتساب الأجر والثواب في النوم في أن يكون معيناً على القيام وغيره من الأعمال المباحة في الإعانة على الطاعة.
التعريف
الاحتساب لغة :
هو العد والإحصاء، من الفعل احتسب يحتسب إذا عد، ويأتي أيضا بلفظ الحسبة إذا جاء من الفعل حسب يحسب. والحساب - كما هو معروف - العد والإحصاء. قال الجوهري: حاسبته من المحاسبة، واحتسب عليه كذا إذا أنكرته عليه. قال ابن دريد: واحتسبت بكذا أجرا عند الله. والاسم الحسبة، وهي الأجر. ولذا يقال لمن مات له ولد أنه احتسب أجره عند الله تعالى. والإنسان الذي يقوم بما يتعلق بهذا الأمر يسمى (محتسبا) لأن الأصل فيه أن يحتسب أجره عند الله تعالى. ويوضحه قول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري - في الإيمان - فتح الباري شرح صحيح البخاري ص 92] .
أما تعريف الاحتساب في الاصطلاح فهو:
أمر بمعروف إذا ظهر تركه. ونهي عن منكر إذا ظهر فعله. وعلى هذا فالاحتساب ينبني على عمودين: العمود الأول: الأمر بالمعروف، والمطلوب فيه دعوة الناس إلى الحق والخير والعدل، إذ المعروف هو كل قصد، أو قول، أو فعل حسنه الشرع وأمر به، وتعارف عليه الناس أنه من أمر الله. والعمود الثاني: هو النهي عن المنكر، والمطلوب فيه إرشاد الناس، بحبسهم عن الوقوع في الإثم والظلم والشر؛ لأن هذه المعاني تئول كلها إلى المنكر " من العزائم والأقوال والأفعال، التي أنكرها الشرع وقبحها، ونهى عنها، وتعارف الناس على أنها شر فأنكروها فأصبحت لذلك " منكرا ". وبعبارة حديثة الحسبة: هي رقابة اجتماعية يقوم بها الأفراد، أو المجتمع. أو رقابة إدارية تنظمها الدولة تحقيقا للخير والعدل، ودفعا للشر والإثم [انظر مجلة البحوث الإسلامية- الاحتساب الحاجة إليه ومنزلته في الأديان السابقةوتفضيل أمة الإسلام به بقلم: د. محمد عثمان صالح.
آيات
أما الآية الأولى:
1- فقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[البقرة: 218].
2- قوله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:265].
3- قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) [البقرة: 272].
4- قوله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء: 114].
5- قوله تعالى: (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) [هود:29].
6- قوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ)[الشعراء: 105-109].
أحاديث
1- عن أبيّ- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ اللّه- عزّ وجلّ- فرض صيام رمضان، وسننت قيامه. فمن صامه وقامه احتسابا، خرج من الذّنوب كيوم ولدته أمّه" [رواه أحمد في المسند (3/ 660)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح].
2- عن أبي مسعود البدريّ- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ المسلم إذا أنفق على أهله نفقة، وهو يحتسبها، كانت له صدقة" [رواه مسلم (1002)]
3- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من اتّبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتّى يصلّى عليها ويفرغ من دفنها فإنّه يرجع من الأجر بقيراطين، كلّ قيراط مثل أحد، ومن صلّى عليها ثمّ رجع قبل أن تدفن فإنّه يرجع بقيراط" [رواه البخاري- الفتح 1 (47)].
4- عن حميد قال: سمعت أنسا يقول: أصيب حارثة يوم بدر- وهو غلام- فجاءت أمّه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللّه قد عرفت منزلة حارثة منّي، فإن يك في الجنّة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع؟. فقال: "ويحك- أو هبلت - أو جنّة واحدة هي؟ إنّها جنان كثيرة، وإنّه لفي جنّة الفردوس" [رواه البخاري- الفتح 11 (6550)].
5- عن أبي قتادة- رضي اللّه عنه- عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قام فيهم فذكر لهم "أنّ الجهاد في سبيل اللّه والإيمان باللّه أفضل الأعمال" فقام رجل فقال: يا رسول اللّه أرأيت إن قتلت في سبيل اللّه تكفّر عنّي خطاياي؟. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "نعم، إن قتلت في سبيل اللّه وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر". ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كيف قلت"، قال: أرأيت إن قتلت في سبيل اللّه أتكفّر عنّي خطاياي؟. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "نعم، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، إلّا الدّين، فإنّ جبريل عليه السّلام قال لي ذلك" [رواه مسلم (1885)].
6- عن أبيّ بن كعب- رضي اللّه عنه- قال: كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة، فكان لا تخطئه الصّلاة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال:فتوجّعنا له. فقلت له: يا فلان لو أنّك اشتريت حمارا يقيك من الرّمضاء، ويقيك من هوامّ الأرض. قال:أما واللّه! ما أحبّ أنّ بيتي مطنّب "4" ببيت محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فحملت به حملا "5" حتّى أتيت نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبرته. قال: فدعاه، فقال له مثل ذلك، وذكر له أنّه يرجو في أثره "6" الأجر، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ لك ما احتسبت" [رواه مسلم (663)].
7- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يقول اللّه تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدّنيا ثمّ احتسبه إلّا الجنّة" [رواه البخاري- الفتح 11 (6424)].
آثار
1- قال عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه: "أيّها النّاس، احتسبوا أعمالكم، فإنّ من احتسب عمله، كتب له أجر عمله وأجر حسبته" [عمدة القارئ شرح صحيح البخاري(2/223)]
2- قال خبيب- رضي اللّه عنه- عند ما أراد قتله بنو الحارث بن عامر بن نوفل:
فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ جنب كان للّه مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع" [البخاري- الفتح 7 (3989)].
3- عن قتادة في قوله تعالى: (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ* أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) قال: من استطاع أن يستوجب للّه في مصيبته ثلاثا (الصّلاة والرّحمة والهدى) فليفعل ولا قوّة إلّا باللّه. فإنّه من استوجب على اللّه حقّا بحقّ أحقّه اللّه له، ووجد اللّه وفيّا [الدر المنثور (1/ 377- 378).]
أشعار
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا *** وحسبك من غنى شبع وريّ
[نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم (2/55) ] .
2- قال خبيب- رضي اللّه عنه- عند ما أراد قتله بنو الحارث بن عامر بن نوفل
: فلست أبالي حين أقتل مسلما *** على أيّ جنب كان للّه مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزّع
[البخاري- الفتح 7 (3989) ] .
متفرقات
1- وقال الماورديّ في سياق تفسير هذه الآية يعني إذا أصابتهم مصيبة في نفس أو أهل أو مال قالوا: إنّا للّه: أي نفوسنا وأهلونا وأموالنا للّه، لا يظلمنا فيما يصنعه بنا وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ يعني بالبعث في ثواب المحسن ومعاقبة المسيء [تفسير الماوردي (1/ 210).]
2- قال ابن كثير في قوله تعالى: (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) أي تسلّوا بقولهم هذا عمّا أصابهم وعلموا أنّهم ملك للّه يتصرّف في عبيده بما يشاء. وعلموا أنّه لا يضيع لديه مثقال ذرّة يوم القيامة فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنّهم عبيده وأنّهم إليه راجعون في الدّار الآخرة. [تفسير ابن كثير (1/ 198)]