عذاب القبر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرورأنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنلا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبده ورسوله وصفيهمن خلقه وخليله.. أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله بهالغمة ، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياعن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابهوأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين...
أولاً: الأدلة على عذاب القبر ونعيمه.
ثانياً: أسباب عذابالقبر.
ثالثاً: ما السبيل للنجاة من عذاب القبر؟
فأعرني قلبك وسمعكأيها الحبيب الكريم واللـه أسال أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنهإنه ولي ذلك والقادر عليه.
أولاً: الأدلة على عذاب القبر ونعيمه
نحناليوم في أمس الحاجة لهذا الموضوع الذي نحن بصدده فهو من الأهمية بمكان لا سيما بعدما قرأنا على صفحاتٍ سوداء في مقال أسود بعنوان " عذاب القبر خرافات وخزعبلات "!!
هكذا يعنون لمقاله فضيلة الأستاذ الدكتور ثم يتطاول هذا الأستاذ الدكتورالجريء فيقول: "إن جميع الأحاديث التي وردت في مسألة عذاب القبر مجرد خرافات"!!!،ثم أظهر جهله الفادح، فقال: "إن عذاب القبر غيب والقرآن بَيَّن لنا أن النبي لايعلم الغيب"!! جهل مركب..!
معنى ذلك يا فضيلة الدكتور أنه ينبغي أن ننكرونكذب كل أمر غيب أخبرنا به المصطفى ، كالإيمان باللـه، وكالإيمان بالملائكة،وكالإيمان باليوم الآخر وكالإيمان بالقدر خيره وشره ...إلى سائر الغيبيات التي أخبرعنها رسول اللـه .
نسي هذا المسكين قول رب العالمين في سيد المرسلين: وَمَايَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم: 3-5] .
أما تقرأ يا مسكين في سورة البقرة قوله تعالى: ألم ذَلِكَالْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَبِالْغَيْبِ [ البقرة :1-2].
وتمنيت يا فضيلة الدكتور لو قرأت من جديد هذهالآيات، إن أول صفة من صفات المؤمنين الإيمان بالغيب.
وخرج علينا أستاذ آخرفكتب كتاباً ضخماً يزيد عن الثلاثمائة صفحة، ينفي فيه من أول صفحة إلى آخر صفحةعذاب القبر ونعيمه، يلوي أعناق النصوص لياً عجيباً، وها أنا الآن أرد على هؤلاءالمتطاولين المكذبين المنكرين، الذين قال عنهم الإمام القرطبي والإمام الحافظ ابنحجر: "لم ينكر عذاب القبر إلا الملاحدة، والزنادقة، والخوارج، وبعض المعتزلة، ومنتمذهب بمذهب الفلاسفة، وخالفهم جميع أهل السنة "
وقال الإمام أحمد رحمهاللـه: "عذاب القبر حق ومن أنكره فهو ضال مضل"
أيها الحبيب: سأقدمُ إليكسيلاً من الأدلة الصحيحـة على عذاب القبر من كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عنالهوى ولن أطيل الوقفة مع القرآن! لماذا؟! ..لأن القرآن حمَّال ذو أوجه كما قال علىبن أبي طالب لابن عباس وهو في طريقه لمناظرة الخوارج.
قال على: يا ابن عباسجادلهم بالسنة ولا تجادلهم بالقرآن فإن القران حمَّال ذو أوجه.
اسـتهلالحديث بين يدي هذا العنصر الهام بمقدمة اقتبسها من كلام أئمتنـا الأعلام وأبدأ هذهالمقدمة بكلام دقيق نفيس للإمام ابن أبي العز الحنفي شـارح العقيـدة الطحـاوية علىشارحها ومصنفها الرحمة من اللـه جل وعلا.
قال: اعلم أن عذابَ القبر هو عذابالبرزخ، وكل إنسان مات وعليه نصيب من العذاب فله نصيبه من العذاب قُبِرَ أو لميُقْبر سواء أكلته السباع أو احترق فصار رماداً في الهواء أو نسف أو غرق فيالبحر.
تأملوا يا من تحكمون العقول في هذا الدليل الذي رواه البخاري ومسلممن حديث أبي هريرة أن النبي قال: ((قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله: إذا مات فحرقوه. ثم ذرّوه، نصفه في البر ونصفه في البحر فواللـه لئن قدر اللـه عليه ليعذبنه عذاباًلا يعذبه أحداً من العالمين. فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم. فأمر اللـه البر فجمعما فيه، وأمر اللـه البحر فجمع ما فيه. ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك، وأنتأعلم فغفر اللـه له))([2]).
الشاهد من الحديث أن اللـه أحياه بعدما حُرِقوذُرِىَ رماده في البحر والبر فقال له الملك: كن فكان على الفور.
قالتعالى:إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللـه كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [ آل عمران: 59 ] .
وقال تعالى: أَوْكَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىيُحْيِي هَذِهِ اللـه بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللـه مِائَةَ عَامٍ ثُمَّبَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَبَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْيَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْإِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَلَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللـه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ البقرة: 259 ] .
وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِيالْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِيقَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىكُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْأَنَّ اللـه عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ البقرة: 260 ] .
إن قدرة اللـه لا تحدهاحدود، لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء وأنهي هذه المقدمة بكلام نفيس للإمام ابنالقيم رحمه اللـه تعالى، حيث قال:
"إن اللـه تعالى قد جعل الدور ثلاثة، وهى: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار" ثم قال:"وجعل اللـه لكل دار أحكاماً تختصبها، فجعل اللـه الأحكام في دار الدنيا تسير على الأبدان، والأرواح تبع لها، وجعلالأحكام في دار البرزخ تسرى على الأرواح، والأبدان تبع لها، وجعل الأحكام في دارالقرار تسرى على الأرواح والأبدان معاً"
ثم قال ابن القيم: "واعلم أن سعةالقبر، وضيقه، ونوره، وناره ليس من جنس المعهود للناس في عالم الدنيا".
ثمضرب للناس مثلا عقلياً دقيقاً رائعاً فقال :
"أنظر إلى الرجلين النائمين فيفراش واحد أحدهما يرى في نومه أنه في نعيم، بل وقد يستيقظ وأثر النعيم على وجههويقص عليك ما كان فيه من النعيم، قد يقول لك: الحمد لله لقد رأيتني الليلة وأنا معرسول اللـه ورأيت النبي وكلمت النبي ورد علىّ النبي وقال لي النبي ..الخ
منرأى النبي في المنام فقد رآه حقاً، وأخوه إلى جواره في فراش واحد قد يكون في عذابويستيقظ وعليه أثر العذاب ويقص عليك ويقول: كابوس كاد أن يخنق أنفاسي!!"