علمني القرآن ... (15)
أن الإرجاف من صفات المنافقين ((لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَوَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَبِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا.)) ، فهذه أوصاف لصنف واحد كما قال المفسرون.
والإرجاف التماس الفتنة وإشاعة الكذب والباطل ، وسمي إرجافا لأنه يحدث رجفة في الشارع الإسلامي، وخلخلة في الوسط المؤمن، وشقا في الصف الاجتماعي .
ولعل من أخطر أنواع الإرجاف شق الصف الإصلاحي، والحيلولة دون وصول كلمة الإصلاح والخير ، بتقزيم جهود المصلحين ، والتشكيك في الأهداف والمقاصد والنتائج ((مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا.)) ((لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا )) .. ومحاولة إلصاق التهم عليهم، وترويج الشائعات ضدهم ، والتدليس والافتراء عليهم قولا وعملا ، ويضخمون أخطاءهم وينفخون في زلاتهم ، ويتتبعون أدنى عثراتهم ، بما يزلزل مكانتهم في قلوب الناس، فلا يكون لإصلاحهم شأن ، ولا لدعوتهم تقبل ، ليخلو الجو للمرجفين كي يلبسوا على الناس دينهم وفكرهم ويتخذونهم القدوة والمثل.
فهم يعملون على جانبين إضعاف الجهد الإصلاحي وتوهين العزائم ، وإضعاف الهمم ، وتحطيم المعنويات، مع محاولة الحيلولة بين جهود المصلحين وبين الناس ، وهذا ما أوضحه قوله تعالى : ((لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ )) .
وكل ذلك يحاك خلف الكواليس ، ويجتهدون ألا يظهر منه إلا النية الطيبة وخدمة المصلحة العامة ، كما كان المنافقون المرجفون في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – يستميتون في إظهار النية الحسنة بالمؤكدات والحلف : (( وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى )) ، فإذا جد الجد تهربوا وتشتتوا ، واختلقوا المعاذير، وركنوا إلى الدعة والكسل ، وأرجعوا فشلهم وخورهم إلى أهل الإصلاح وخططهم وبرامجهم ((ائذن لي ولا تفتني)) ، ((لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرّ))، ((إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ))
ومن هنا عدد القرآن صفاتهم ونبه على الحذر منهم ومن ألاعيبهم ، وبيّن أنه مهما حلا كلامهم وتشدقوا بالعبارات (( وإن يقولوا تسمع لقولهم )) فإن فلتات لسانهم تفضح أهدافهم الخبيثة ((وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)) ، ونهى عن الاستماع لهم والركون إلى أراجيفهم وشائعاتهم وفتنهم ((يَبْغُونَكُم ُالْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ))
محمد المسقري