هذا الفهم عن المساجد مخالف للهدي النبوي
بقلم الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
ابتُلي المسلمون هذه الأيام بالعديد من البلايا والرزايا الدالة على تخلفهم الحضاري والعلمي، ومن هذه البلايا هؤلاء القوم الذين يدعون إلى الله بلا علم ولا فقه ولا دراية فيرسِّخون دعائم التخلف بين الناس ويدافعون عنه ويجعلونه أصل من الأصول الإسلامية التي يجب الدفاع عنها بقوة.
ـ ففي الجمعة 7/5/1420هـ الموافق 25/6/2004م تحدث خطيب الجمعة عن المساجد ودورها في الدين، وبين أن المساجد بنيت فقط لذكر الله، وشدد على لفظ الجلالة (الله) في قوله تعالى: ) في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ([النور: 36].
وبعد الخطبة وقف شخص آخر ودعم كلام الخطيب وحرم الكلام تماماً في المسجد، إلا ذكر الله بمعناه الضيق، وكما يفهمه هو والخطيب ومن على شاكلتهم، وقال في حديث لم يقل سنده ولا نعرف مدى صحته، أن العبد إذا تكلم في المسجد قالت له الملائكة: أقلت يا عبد الله، فإذا عاود الكلام قالت الملائكة: اسكت يا عدو الله.
ـ هذا الكلام يتنافى مع الهدي النبوي الشريف ومع السنة النبوية المطهرة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا الذي أسأم ). جزء من حديث رواه البخاري.
ـ لقد كان الأحباش يلعبون في المسجد، ويتدربون على فنون القتال فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليهم، ولم يقل لهم هذا حرام في المسجد.
فأين نحن من هذا الهدي النبوي العظيم؟.
ـ لقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ببناء المسجد فكان المسجد في عهده صلى الله عليه وسلم هو المؤسسة العلمية التربوية الاقتصادية العسكرية الثقافية الجامعة لشؤون المسلمين، ففيه تقام الصلاة، وفيه يعقد لواء الجند، وفيه تنافس القضايا الاجتماعية، وفيه: يتعلم المسلمون وهو مكان الاجتماع بالصحابة، وقد نهى المسلمون عن البيع والشراء ومناشدة الضالة في المسجد، فمكان ذلك مؤسسة أخرى أنشأها المصطفى صلى الله عليه وسلم في المدينة وهو السوق.
ـ أما لغو الكلام ومجالس الزور فهي حرام داخل المسجد وخارجه. قال تعالى: ) واللذين لا يشهدون الزور وإذا مرو باللغو مروا كراماً ([الفرقان: 72]. فاللغو محرّم في المسجد وخارجه، ومجالس الزور محرمه في المسجد وخارجه، وبالطبع هي أشد حرمة في بيت الله.
ـ وقد قام المسجد بدور كبير في مقاومة الاستعمار فانطلقت مقاومة الفرنسيين من الجامع الأزهر.
ـ وانطلقت مقاومة الصليبيين من المسجد الأموي.
ـ وانطلقت مقاومة الصهاينة من المسجد الأقصى.
ـ وانطلقت مقاومة الانجليز والفرنسيين والصهاينتة في العدوان الثلاثي من الجامع الأزهر.
ـ وانطلقت مقاومة الصهاينة في حادث الثغرة الشهير في حرب 1973م من المسجد الجامع بالسويس.
ـ وانطلقت مقاومة الأمريكيين في العراق من مسجد أبي جنيفة، ومسجد الإمام علي، ومساجد الفلوجة.
ـ وانطلقت كل مظاهرات مقاومة الظلم من المساجد.
ـ واول جامعات المسلمين ارتبطت بالمسجد مثل جامعة الأزهر، وجامعة الزيتونة، وجامع القرويين، والمسجد الأموي، ومساجد غرناطة، والقسطنطينية، في كل هذه المساجد نوقشت قضايا المسلمين، ودارت حوارات تاريخية عظيمة.
ـ وعندما علم أعداء الأمة الدور الفاعل للمسجد خططوا لسلب دور المسجد في قيادته للأمة، فبدأوا بوضع الأحاديث المكذوبة مثل قولهم: ( الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ). وكنا نرى هذا الحديث المكذوب على جدران المساجد.
وهذا الحديث الذي قيل في المسجد: ( اسكت يا شيطان ) يلحق بالحديث المكذوب السابق.
وكان الهدف إخراس المسلمين في المسجد، وتحويله إلى مكان للركعات، وحلقات الصوفية وقولهم: الله، الله، الله، الله فقط.
ـ والآن معظم الدول الإسلامية تفتح المساجد فقط أوقات أداء الصلاة، وتمنع جلوس المسلمين والحوار في المساجد بعد الصلاة.
ـ وفي مخطط موازي أبعدوا أطفال المسلمين عن المسجد، لقطع العلاقة النفسية والروحية بين الأجيال والمساجد، ووضعت الأحاديث المكذوبة لإبعاد الأطفال عن المساجد.
ومن العجيب: أن النصارى تعلموا الدور الفاعل لدور عبادتهم من المسلمين، فطوروا دورها من مكان للعبادة يوم الأحد فقط وفي الأعياد إلى مؤسسة اجتماعية تنطلق منها الرحلات الجماعية واللقاءات الجماعية، وحفلات الزواج، وفتحوا صفوفاً للتعليم فيها، لقد تعلموا أهمية هذه الأنشطة المرتبطة بالكنيسة من المسلمين، وفعَّلوا دورها في الوقت الذي اجتهدنا في طمس دور المسجد، واجتهدها في فقدانها لدورها.
ـ هل يعقل هذه الأبنية الضخمة الفحمة للمساجد فقط للصلاة والوعظ والإرشاد!!.
ـ هذا تعطيل لدور المسجد!!.
ـ فاتقوا الله يا خطباء المسلمين، واتقوا الله يا وعاظ المسلمين، في مساجد المسلمين، وفي المسلمين.
ـ لقد سئمنا الوعظ المكرور والمغلوط.
ـ لقد سئمنا الخطب سابقة التجهيز.
ـ اصبح الخطيب والداعية المفعل لدور المسجد من النوادر في ديار المسلمين.
ـ لقد أصبحت الخطبة وظيفة وليست رسالة.
ـ كنت أود الرد على هذا الخطيب في المسجد ولكن لعلمي أنه دائماً يثير الفتن في خُطبه ولا يمل من تجهيل من يخافونه، ولا يكل من كثرة دفاعاته عن البدع والمخالفات الشرعية لعلمي ذلك فضلت الكتابة للرد عليه عساه أن يقرأ هذه الكلمات ويراجع نفسه في الخطب المكرورة سابقة التجهيز منذ سنوات والمنقطعة الصلة بواقع المسلمين، وما هم فيه مصائب.
ـ أأمل أن يعيد هذا الصنف من الخطباء كتابة خطبة ويجددها ويحدثها لتبتعد عن الخلافات المذهبية، والاستماتة في تأصيل البدعة، وتعطيل دور الجمعة والمنبر والمسجد، فهذا كان دور إمام المسجد أيام الاستعمار، واليوم تحررنا من الاستعمار العسكري وبقي الاستعمار الثقافي الذي نرى آثاره في خطب هذا الصنف من الخطباء الذين ينقلون خطبهم من كتب للخطب المنبرية كتبت أمام الاستعمار العسكري.