صعب المنال « صبوشي مشرف »
♥ عدد مساهماتي : 826 ♥ مزاجــى : ♥ عمري : 25 ♥ نقاطي : 15207 ♥ مستوى تقييمي : 53
| موضوع: مخاطر القراءة الثلاثاء 5 فبراير - 1:31:09 | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] مخاطر القراءة / يوسف عبدالجليل
كانت القراءة - ومازالت - معينًا يروي ظمأ الباحثين عن المعرفة أو الحقيقة أو اللذة ، واكتسبت بذلك فضيلة توالت الحضارات والأمم في تأكيدها والحديث عنها بأشكال مختلفة ، وصور متباينة .
فالقراءة إذن - بلا شك - فضيلة أممية ، وهذا ما أغرى الكثيرين باعتبارها فضيلة مطلقة !
ولعل الدهشة تعلو وجه كل من يسمع الحديث - ولو مزحًا - عن مخاطر القراءة ، إذ إننا في أدبياتنا عن القراءة ارتضينا الحديث عن فضائلها وأهميتها ودورها ، واعتدنا حشد النصوص في ذلك بدءًا من النصوص المقدسة وانتهاءً بأقوال ومقتبسات للكتاب والمثقفين والأدباء حول فعل القراءة .
ثم تحولت القراءة بفضل الخطاب التحفيزي والتنموي إلى غاية أكثر من كونها وسيلة ، فازداد الحديث في أدبيات القراءة عن القراءة السريعة ووسائلها وطرقها ، وأقيمت لذلك آلاف الدورات ، فقط للحديث عن "كيف تقرأ أسرع ؛ لتنجز أكثر ؟" ، وغاب - أو ندر - الحديث عن تفكيك القراءة ، فلم نرد دورة واحدة للحديث عن "الكيف" دون "الكم" !
في الواقع هذا ليس حديثًا موجهًا إلى محبي القراءة أو كارهيها ، ولكنها فقط خواطر وتأملات حول بعض الأنماط السائدة ، التي نمارس كثيرًا منها - نحن معشر القراء - سواء المخضرم فينا أو المبتدئ .
فلنتجاوز إذن الكاتب والنص ، ولنتأمل قليلاً القارئ وفعل القراءة .
ربما أكثر المخاطر انتشارًا بين القراء ما يعرف بـ"التوحد" مع الكاتب ، ودعوني أقول ابتداء : إن الكاتب إنما يستجمع الأفكار ويبذل كل ما يستطيع من محاولات لإقناع القارئ بما لديه ، ويأخذ هذا الإقناع لدى القارئ صورًا شتّى ، بدءًا من الشعور باللذة وانتهاء بالتوحد .
ورغم إن البعض - كسيوران مثلاً - يرى أن الكتب الوحيدة التي تستحق أن تكتب هي تلك الكتب التي يؤلفها أصحابها دون أن يفكروا في القراء ، ودون أن يفكروا في أي جدوى أو مردود ، ويؤكد أن مأساة الكُتَّاب تتمثل في كونهم يملكون جمهورًا ويكتبون لهذا الجمهور ، وهذا لا يمكن أن يؤدي إلا إلى عواقب وخيمة .
لكنني أرى أن تعدد الخطاب لنفس الكاتب في أكثر من نص له - وأحيانًا في النص الواحد - دليل على أن في وعيه استهدافًا لشريحة ما من القراء ، يدرك جيدًا أنه يستطيع - بما أعد سلفًا - محاولة إقناعها ، أو إشعارها بالمتعة أو اللذة .
وللتوحد مع الكاتب صور مختلفة ، فبعض القراء يخرج بعد قراءته للكتاب صورة مصغرة للكاتب ونصه ، أقل بهاء ، ربما باهتة ، وربما مشوهة ، يحدث هذا غالبًا بدافع الانبهار بالكاتب أو النص أو بعض الأفكار الجديدة ، وقد تكون هذه الأفكار الجديدة مبدؤها الكاتب - أيًّا كانت مرجعيتها - فيُقال حينئذ : إن من أول من أفرد وبسط الحديث فيها بجدة وابتكار فلان من الكتاب ، وقد تكون الأفكار مستهلكة ، لكنها جديدة بالنسبة إلى القارئ الذي لم يطلع قبل على مثلها ، فيحدث له انبهار ما ، ومن ثَمَّ توحد إلى أجل غير معلوم .
صورة أخرى من صور التوحد مع الكاتب أو النص ، وهي استصحاب القارئ عددًا من المصطلحات الجديدة الخاصة بذلك الكاتب ، أو المصطلحات المعرفية المشهورة على ألسنة المثقفين ، تارة لجدتها وقوة دلالتها ، وتارة لعجز القارئ عن التعبير عن أفكاره بمصطلحات موازية تكثف فكرة أو مفهومًا في كلمة أو كلمتين ، وتارة للولع بكل ما هو غريب وملفت ، وتارة لفخر غير معلن واستعلاء خفي بأنه قرأ لمفكر صاحب شأن كبير عند أهل الفكر والمعرفة ، وفي ذلك الشعور لذة خفية يعرفها معشر القراء .
وصورة لطيفة وأخيرة من صور التوحد تختص بالأعمال الروائية والقصصية ، حيث تقنع القراءة القارئ بأنه نفسه أحد هذه الشخوص المتحركة أمامه في الرواية ، ورغم تباين شخوص الروايات فيما بينها تباينًا عجيبًا ومتناقضًا ، إلا أن القارئ نفسه هو هو يمكن أن يكون - وفي سنة واحدة - : راسكولنيكوف وجان فالجان وهيثكليف وزوربا والقنصل وهيبا !
تخدع القراءة بعض القراء فتوهمه أنها ستمنحه - وحدها - إجابات وحلولاً لمشكلات كبرى ، وربما إشكاليات أرهقت الفلاسفة قرونًا عدة ، فالقارئ المخدوع يقرأ كتابًا أو كتابين في موضوع ما ، وتغريه القراءة - كعادتها - بالحديث المبكر عنه بجرأة عجيبة ربما لا يقدر عليها المؤلف نفسه ، وحينئذ لا يعتقد - كما هو متوقع ومنتظر - أنه عرف طرفًا من فروع هذا الموضوع وعددًا من إشكالياته ، بل يعتقد - كما نرى من كثير من القراء - أنه بدأ في امتلاك إجابات وحلول لإشكاليات هذا الموضوع ، وهي في الحقيقة - غالبًا - لا تتعدى رؤية الكاتب والمؤلف حول هذه الإشكاليات ، ورحم الله امرءًا عرف قدر علمه !
ومن اللطيف أن بعض القراء يهوى كثيرًا تلك الكتب التي تتحدث عما يريد الحديث عنه ، أي عن قناعاته المسبقة وتصوراته وآرائه حول شيء ما ، ويعد الكتاب الجيد هو ذاك الكتاب الذي يقدم هذه القناعات والآراء والتصورات ويدافع عنها ، والسؤال : هل يمكن أن تقدم القراءة للقارئ في هذه الحالة شيئًا أكثر من إراحته عناء الكتابة عن آرائه والدفاع عنها ؟
لا شك أن المعايير العلمية والموضوعية للحكم على جودة كتاب ما تختلف كثيرًا عن هذه الانطباعات الذاتية .
إذن فالقراءة تمثل عند بعض القراء وسيلة مغرية أوسلاحًا معرفيًّا للدفاع عما يملك ، وهكذا تخدعهم ليتحول فعل القراءة لدى هؤلاء من كونه طريقًا لمعرفة ما هو جديد ، واختبار قديم ما يملكون من أفكار بعقد الموازنات والمقارنات بين الجديد والقديم ، إلى كونه طريقًا فقط لتأكيد أفكارهم ومعتقداتهم فحسب ، مما يولد حاجزًا نفسيًّا لدى القارئ ، أو حالة من الخوف تجاه بعض الكتَّاب أو الكتب أو الفنون التي لم يعتد الاطلاع عليها ، أو من كل ما يخشى منه أن يزلزل أو يهز شيئًا من قناعاته وأفكاره ، لتنتج إثر ذلك تلك الأحكام التبريرية ، والتي تحوي تعميمات فاضحة حول عالم أو مفكر أو أديب ، والأدهى من ذلك كله حول علم أو فن بعينه !
في الحقيقة نحن مضطرون لأن نقرأ ما نحب وما لا نحب ، لمن نحب ولمن لا نحب ، ومن أغرته القراءة فيما يحب ولمن يحب ، بأن يدع قراءة ما لا يحب ولمن لا يحب ، فليرتض بالسير على ساق واحدة !
ومن المفارقات أن القراءة تصيب بعض القراء باستعلاء ما ، لاسيما إذا كانت قراءته فيما لا يقرأ فيه عامة القراء غالبًا ، فهو في هذه الحالة يعرف ويفهم الكثير مما لا يعرفه ويفهمه غيره من القراء ، رغم إن القراءة وسعة الاطلاع في أكثر من فن من شأنها أن تشعر القارئ بتواضع شديد ؛ احترامًا لما عنده من علم ومعرفة !
ويستمر استعلاء هؤلاء القراء ، ليس فقط على أقرانهم ، وإنما يتعدى إلى كثير من الكتاب والمؤلفين ممن يختلف مع أطروحاتهم ، وبسهولة شديدة يستغل الواحد منهم سلطته المعرفية والمستعلية - سواء بعلم أو بدون علم - فنراه يصدر أحكامًا عجيبة ، وتعميمات هزلية مستفزة على بعض الكتب ، وأحيانًا على بعض المفكرين الكبار دون حسيب أو رقيب ، وكم هو سهل عند أحدهم أن يقول : هذا كتاب لا فائدة منه ، ولا أنصح بقراءته !
وللاستعلاء صورة أخرى خفية ، تراها حينما يصمت القارئ ، ويكتفي بالنظر إلى بعض الأعمال المشهورة لكبار المفكرين والأدباء دون أن يبدي اهتمامًا - ولو قليلاً - بمعرفة القليل عنها ، ولسان حاله يقول حينئذ - تصريحًا أو تلميحًا - : لا حاجة لي به ، عندي ما فيه الكفاية ! فإذا اعْتُرض عليه بأن هذا العمل جدير بأن يُقرأ أو على الأقل يُقرأ عنه ، التمس أحكامًا نقدية لبعض من قرءوا الكتاب ولم يعجبوا به ، وهذا ربما أحد السوءات الخفية لموقع "جودريدز" ، وهي التأثر مسبقًا - أي قبل القراءة - بأحكام تعميمية أو آراء انطباعية للبعض حول الكتاب !
ختامًا ... أعترف بأن بعضًا مما ذكرت ليس أكثر من وصف لأنماط بعض القراء مع فعل القراءة ، وأن اعتبار كل ما ذكرت مخاطر للقراءة بشكل مباشر ضرب من ضروب المجاز ، فليس المقصود التنقص من فعل القراءة ، وإنما هي محاولة للتفكير بشأن بعض الممارسات السائدة التي نفعلها ربما دون تأمل ، وقريب من هذا المفهوم قول نيتشه :
"إنني أبغض كل قارئ كسول ؛ لأن من يقرأ لا يخدم القراءة بشيء ، وإذا مر قرن على طغمة القارئين فلابد من أن تتصاعد روائح النتن من التفكير ، وإذا أعطي لكل إنسان الحق في أن يتعلم القراءة ، فلن تفسد الكتابة مع مرور الزمان فحسب ، بل إن الفكر نفسه سيفسد أيضًا !"
راقني جداً,, أتمنى أن يعجبكم,, | |
|
حبـــ الأمــه ــــــر~! « صبوشي مشرف »
♥ عدد مساهماتي : 942 ♥ مزاجــى : ♥ نقاطي : 15192 ♥ مستوى تقييمي : 65
| موضوع: رد: مخاطر القراءة الثلاثاء 5 فبراير - 1:48:27 | |
| شكرا لك أبدعتي بإختيارك الموضوع ،، | |
|
° عمانية وخطوتي ملكية ° « ڝبوڜي رآئع »
♥ عدد مساهماتي : 615 ♥ مزاجــى : ♥ نقاطي : 13698 ♥ مستوى تقييمي : 14
| |