قتيل القرآن وقتيل المواعظ والأحزان
كنا ف مجلس صالح المري وهو يتكلم فقال لفتى بين يديه : اقرأ يافتى . فقرأ الفتى قوله تعالى:﴿وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع﴾ فقطع صالح عليه القراءة وقال: كيف يكون لظالم حميم أو شفيع، والمطالب له رب العالمين؟ إنك والله لو رأيت الظالمين وأهل المعاصي يساقون ف لسلاسل والأنكال إلى الجحيم حفاة عراة مسودة وجوههم مزرقة عيونهم ذائبة أجسادهم ينادون يا ويلنا وياثبورنا ما نزل بنا ماذا حل بنا؟ أين يذهب بنا ماذا يراد منا؟ والملائكة تسوقهم بمقامع النيران فمرة يجرون ع وجوههم ويسحبون عليها منكبين ومرة يقادون إليها مقرنين من بين باك دما بعد إنقطاع الدموع ومن بين صارخ طائر القلب مبهوت إنك والله لو رأيتهم ع ذلك لرأيت منظرا لا يقوم له بصرك ولايثبت له قلبك ولا تستقر لفظاعة هوله ع قرار قدمك .
ثم نحب وصاح: ياسوء منلقباه وبكى وبكى الناس فقام فتى من الأزد فقال: أكل هذا ف القيامه يا أبا بشر؟
قال:نعم والله يا إبن أخي وما هو اكثر لقد بلغني أنهم يصرخون ف النار حتى تنقطع أصواتهم فما يبقى منها إلا كهيئة الأنين من المدنف فصاح الفتى أنا لله وأغفلتاه عن نفسي أيام الحياة وأسفاه ع تفريطي ف طاعتك يا سيداه وأسفاه ع تضييع عمري ف دار الدنيا ثم بكى واستقبل القبلة وقال: اللهم إني استقبلتك ف يومي هذا بتوبه لا يخالطها رياء لغيرك اللهم فأقبلني ع ما كان فيٍ واعف عما تقدم من فعلي وأقل عثرتي وارحمني ومن حضرني وتفضل علينا بجودك وكرمك يا أرحم الراحمين لك ألقيت معاقد الآثام من عنقي وإليك انبت بجميع جوارحي صادقا لذلك قلبي فالويل لي إن لم تقبلني.
ثم غلب فسقط مغشيا عليه فحمل بين القوم صريعا فمكث صالح وإخوانه يعودونه أياما ثم مات والحمدلله فحضره خلق كثير يبكون عليه ويدعون له وكان صالح كثيرا ما يذكره ف مجلسه فيقول : وبأبي قتيل القرآن وبأبي قتيل المواعظ والاحزان.