خﻼل الحوار مع سماحة مفتي عمان
رن هاتف أحد اﻹخوة وكانت الرنات أنشودة إسﻼمية،
توقف حوارنا حتى تنتهي الرنات،
ووجدتها فرصة ﻷسأل الشيخ عن رأيه في اﻷناشيد الدينية
المصحوبة بإيقاعات موسيقية.-
أجاب سماحته قائﻼ:
نحن نحمل الجميع على حسن الظن وعلى القصد الحسن
وإرادة الخير للناس، ولكن هذا ﻻ يمنع من التذكير
بأن اﻷصل في المسلم أن يسعى إلى الخير واﻹصﻼح
قدر استطاعته متجردا من اﻷدواء النفسية،
والرغبات الشخصية، قاصدا وجه الله تعالى، مخلصا له سبحانه
(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود/88 ].
وهذا يدفع المسلم إلى أن ينشر بين الناس ما هو خير لهم في دينهم،
وأفضل لهم عند ربهم سبحانه وتعالى، وأبعد لهم عن مواطن الشبهات
ناهيك بالمحرمات، وﻻ ريب أن هؤﻻء اﻹخوة المشتغلين باﻷناشيد
سواء منهم المتوسعون فيها وفيما يستخدم فيها،
أو أولئك الذين يرون أن الواجب أن تنزه الدعوة إلى اﻻستقامة والصﻼح
عن كل ما ﻻ يليق بها مما ﻻ يتناسب وهيبة الدين في القلوب،
وﻻ يتناسب وصفات الجد والحزم من أخﻼق المسلم،
عليهم جميعا أن يتذكروا أنهم ﻻ يقومون بما يقومون به إﻻ ابتغاء ما عند الله من ثواب،
بالدعوة إليه تعالى بالكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة،
وهذا يدفعهم إلى مزيد من الحرص على ما يرضي الله تعالى،
والبعد عن كل ما يسخطه.
كما أنهم جميعا يجب أن يدركوا أن هذه اﻷناشيد يراد بها ترويح القلوب،
وتجديد الهمة، وبعث النفوس نحو مزيد من الخير والطاعة
واﻹقبال على الله تعالى، وﻻ يراد منها أن تكون همّ المسلم وشغله الشاغل وعمله الذي يقضي فيه ليله ونهاره،
وأنها مهما اقترنت بمقاصد دعوية طيبة كصرف الناس عن الغناء والمعازف،
فإنها ﻻ بد أن تكون منضبطة بأحكام الشرع الحنيف،
وفي كلماتها التي تنشد، وفي لحنها الذي به تؤدى،
وفي تجمعاتها التي تعد لﻺنشاد، وفي وسائلها وآﻻتها التي تستخدم،
وفي كل ما يتعلق بها.هذا،
وبعد اﻻطﻼع على ما يعرف بالمؤثرات الصوتية، واﻹيقاعات المعالجة إلكترونيا،
المستخدمة في هذه اﻷناشيد،
ظهر أن كثيرا منها ﻻ يختلف في أصواته الناتجة عن المعازف المحرمة،
وﻻ عبرة بكونها لم تدخل في تكوينها آﻻت موسيقية،
فإن العبرة بما ينتج عن هذه اﻹيقاعات والمؤثرات من أصوات،
وليس هنا عن اﻷصوات الطبيعية التي تنقى من الشوائب كما هو أصلها كزقزة العصافير
وهديل الحمام وحفيف الشجر وخرير الماء وهدير البحر وما أشبهها،
وإنما الكﻼم في اﻹيقاعات والمؤثرات الصوتية التي تنتج أنغاما وألحانا هي أشبه ما تكون بالمعازف والمزامير.
ولهذا فإنني أرى أن أقل ما يقال فيها إنها من اﻷمور المشتبهات التي يجب على المسلم أن يتجنبها
بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال:
(الْحَﻼَلُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ ﻻَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛
فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ،
وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ؛
أَﻻَ وَإِنَّ لِكلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَﻻَ إِنَّ حِمَى اللهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ،
أَﻻَ وَإِنَّ فِي الْجَسدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ،
وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَﻻَ وَهِيَ الْقَلْبُ)،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْبِرّ حُسْن الْخُلُق وَالْإِثْم مَا حَاكَ فِي نَفْسك وَكَرِهْت أَنْ يَطَّلِع عَلَيْهِ النَّاس).