مازلت على عادة الخلق في الحزن على من يموت من
الأهل و الأولاد ، و لا أتخايل إلا بلى الأبدان في
القبور ، فأحزن لذلك ، فمرت بي أحاديث قد كانت
تمر بي و لا أتفكر فيها .
منها قول النبي صلى الله عليه و سلم : إنما نفس
المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة حتى يرده الله عز وجل
على جسده يوم يبعثون . فرأبت أن الرحيل إلى
الراحة ، و أن هذا البدن ليس بشيء ، لأنه مركب
تفكك و فسد ، و سيبنى جديداً يوم البعث ، فلا ينبغي
أن يتفكر في بلاء .
و لتسكن النفس إلى أن الأرواح انتقلت إلى راحة
فلا يبقى كبير حزن ، و أن اللقاء للأحباب عن قرب .
و إنما يبقى الأسف لتلعق الخلق بالصور ، فلا يرى
الإنسان إلا جسداً مستحسناً قد نقض فيحزن لنقضه .
و الجسد ليس هو الآدمي ، و إنما هو مركبه ،
فالأرواح لا ينالها البلى . و الأبدان ليست بشيء .
و اعتبر هذا بما إذا قلعت ضرسك و رميته في حفرة
، فهل عندك خبر مما يلقى في مدة حياتك ؟
فحكم الأبدان حكم ذلك الضرس ، لا تدري النفس ما
يلقى ، و لا ينبغي أن تغتم بتمزيق جسد المحبوب و
بلاه .
و اذكر تنعم الأرواح ، و قرب التجديد ، و عاجل
اللقاء ، فإن الفكر في تحقيق هذا يهون الحزن ، و
يسهل الأمر .