:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (( ما سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاهُ، ولقد جاءه رجلٌ، فأعطاه غنماً بين جبلين ، فرجع إلى قومه فقال : يا قوم أسلموا ، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يلبث إلا يسيرا حتى يكُون الإسلامُ أحب إليه من الدنيا وما عليها )) . رواه مسلم.
الشــــــــــــــــــرح
قال المؤلف رحمه الله تعالى: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً على الإسلام إلا أعطاه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان أكرم الناس، وكان يبذل أمواله فيما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم إذا سأله شخص على الإسلام يعني على التأليف على الإسلام والرغبة فيه إلا اعطاه، مهما كان هذا الشيء، حتى إنه سأله أعرابي فأعطاه غنماً بين جبلين، بين جبلين معناه: أنها غنم كثيرة؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه لما يرجوا من الخير لهذا الرجل ولمن وراه.
ولذلك ذهب هذا الرجل إلى قومه فقال: (( يا قوم أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر))، عليه الصلاة والسلام، يعني: يعطي عطاءً جزيلاً، عطاء من لا يخشى الفقر، فانظر إلى هذا العطاء كيف أثر في هذا الرجل هذا التأثير العظيم، حتى أصبح داعية إلى الإسلام.
وهو إنما سأل طمعاً كغيره من الأعراب، فالأعراب أهل طمع، يحبون المال ويسألونه، ولكنه لما أعطاه الرسول عليه الصلاة والسلام هذا العطاء الجزيل صار داعية إلى الإسلام، فقال: (( يا قوم أسلموا )) ولم يقل أسلموا تدخلوا الجنة وتنجوا من النار، بل قال: ((أسلموا؛ فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر)) يعني سيعطيكم ويكثر.
ولكنهم إذا أسلموا من أجل المال، فإنهم لا يلبثون يسيراً إلا وقد صار الإسلام أحب شيء إليهم، أحب من الدنيا وما فيها، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعطي الرجل تأليفاً له على الإسلام، يعطيه حتى يسلم للمال؛ لكنه لا يلبث إلا يسيراً حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها.
ويؤخذ من هذا الحديث وأمثاله: أنه لا ينبغي لنا أن نبتعد عن أهل الكفر وعن أهل الفسوق، وأن ندعهم للشياطين تلعب بهم؛ بل نؤلفهم، ونجذبهم إلينا بالمال واللين وحسن الخلق حتى يألفوا الإسلام، فها هو الرسول صلى الله عليه الصلاة والسلام يعطي الكفار، يعطيهم حتى من الفيء.
بل إن الله جعل لهم حظاً من الزكاة، نعطيهم لنؤلفهم على الإسلام، حتى يدخلوا في دين الله، والإنسان قد يسلم للدنيا، ولكن إذا ذاق طعم الإسلام رغب فيه، فصار أحب شيء إليه.
قال بعض أهل العلم: طلبنا العلم لغير الله؛ فأبى أن يكون إلا لله، فالأعمال الصالحة لابد أن تربي صاحبها على الإخلاص لله عز وجل، والمتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام.
وإذا كان هذا دأب الإسلام فيمن يُعطى على الإسلام ويُولف؛ فإنه ينبغي لنا أن ننظر إلى هذا نظرة جدية، فنعطي من كان كافراً إذا وجدنا فيه قرباً من الإسلام، ونهاديه ونحسن له الخلق، فإذا اهتدى فلئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم.
وهكذا أيضاً الفساق هادهم، أنصحهم باللين، وبالتي هي أحسن، ولا تقل : أنا أبغضهم لله، ابغضهم لله وادعهم إلى الله، بغضك إياهم لله لا يمنعك أن تدعوهم إلى الله؛ بل ادعهم إلى الله عز وجل وإن كنت تكرههم فلعلهم يوماً من الأيام يكونون من أحبابك في الله.